البحرين

قانون تنظيم الصحافة في البحرين..القيود الثقيلة على الحريات

عباس المرشد

في مشروع بقانون الذي تقدمت به الحكومة لمجلس النواب أواخر أبريل 2022 ثم أرتئت سحبه لمزيد من الدراسة ثمة قيود ثقيلة على الحريات. فالتعديلات المقدمة من قبل الحكومة على مرسوم 2002 بشأن تنظيم الصحافة رغم أنها تعديلات تصب في تصحيح مسار تشكيل حقل صحفي يتمتع بالبيئة الآمنة إلا أن غير كافية ولا تبلي شروط استقلالية الحقل الصحفي وبالتالي فإن تمريرها كما هي مقدمة من قبل الحكومة يعني ترقّب مرحلة مشوشة للعمل الصحفي على أقل التقادير. لماذا هي بيئة مشوّشة ومضّطربة؟ لعدة أسباب يمكن تلمسها في الصيغة التي تقدمت بها الحكومة ووافقت عليها اللجنة المختصة في مجلس النواب دون إجراء اي تعديل سوء التعديلات الإملائية لا اكثر.


التعديلات التي تقدمت بها الحكومة على مرسوم 2002 في شأن تنظيم الصحافة شملت الإعلام الالكتروني والترخيص للمطبوعات وتداولها وبالتالي فنحن أمام رؤية واسعة للحريات الصحفية والإعلامية تجتهد الحكومة في تنظيمها. من المفترض أن تكون هذه التعديلات تنسجم وتعهدات حكومة البحرين امام المجتمع الحقوقي الدولي، بتوسعة مجال الحريات الصحفية وإلغاء القيود الثقيلة التي يفرضها مرسوم 2002 على الحقل الصحفي والحقل الإعلامي. ورغم ان التعديلات المقترحة تلغي أحد أهم وأخطر القيود الثقيلة وهو حبس الصحفي إلا أنها تستبدله بدهاء مشهود بعقوبات مالية وبغرامات باهضة توجع عمل الصحافة وترهقها ما لا تحتمل وكأن الحكومة هنا تنظر إلى عقوبة الصحفي على أنها مقايضة اقتصادية فبدلا من ان تصرف عليه وهو في السجن فعلى الصحفي أن يدفع غرامات للحكومة جراء عمله الصحفي غير المتسق مع رؤية الحكومة.


لا يتوقف الامر في العقوبات المالية الثقيلة، فثمة ما تخفيه تلك التعديلات من قيود ثقيلة من قبيل توسعة صلاحيات الجهات الحكومية في ايقاف المواقع الالكترونية وحجبها متى ما رأت أنها لا تتوافق ورؤية الحكومة للأمن الوطني وهذه المطاطية تؤكد الرغبة الدفينة في فرض اجندة الحكومة على الحقل الصحفي وتشكيله بما يتوافق ورؤيتها لا بما تفرضه القيود الصحفية نفسها على ذاتها. وبالمثل فإن التعديلات المقترحة تخفي رغبة القمع والتهديد تحت عبارات خادشة للحريات الصحفية وتلوّح بإمكانية اللجوء إلى قانون العقوبات الجنائية لإيقاع الأذي بالصحافة والصحفيين. فصحيح أن قانون الصحافة لا يجيز حبس الصحفي على عمله الصحافي لكن قانون العقوبات وما يحمله من مواد قاسية سيكون هو الفصل بين الصحفي والنيابة العامة التي بإمكانها تحريك أي دعوى ضد أي صحيفة أو موقع الكتروني أو مطبوعة وقد تستخدم النيابة العامة قانون الارهاب سيء الصيت في بعض تلك الدعاوي كما فعلت مع الصحفي صحيفة الوسط محمود الجزيري او كما فعلت مع المصور العالمي حميدان فلكي تنتقم من عملهما أشد الانتقام لم تكتفي بقانون العقوبات وانما حركت مواد قانون مكافحة الإرهاب.

المصور أحمد حميدان


وإذا كانت التعديلات المقترحة توحي بأنها في صالح الحقل الصحفي، فبالامكان التوقف قليلا لكسر ذاك الايحاء الساحر والتوقف أمام الشروط المقيدة لاصدار ترخيص تشغيل موقع الكتروني على الانترنت حيث تشترط التعديلات ان لا يكون محروما من ممارسة حقوقه السياسية. ورغم عدم لباقة هذا الشرط وعدم مدخليته في الشأن الصحفي والإعلامي، إلا أن الغرض من هذا الشرط هو الاستثمار في ما يعرف بقوانين العزل السياسي التي صدرت منذ 2017 والتي على ضوئها تم حرمان أكثر من 70 الف من حقوقهم السياسية تحت ذريعة عضويتهم في جمعيات سياسية منحلة بأمر قضائي.


في النهاية يصعب في مكان ما تصديق ان التعديلات المقترح ادخالها على مرسوم 2002 بشأن تنظيم الصحافة من شانه أن يوفر بيئة آمنة للمشتغلين في الصحافة والإعلام في البحرين بل على العكس من ذلك فإن تلك لتعديلات إن أقرت فهي تبشر بمرحلة ثقيلة جدا على الجسم الصحفي تزيد من ارتهانه ووهنه وضعفه الذي اوجده مرسوم 2002.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى