تقارير

الكلام في الخليج: تجسس، قوانين صارمة وسجن جاهز

 

“هل تعيش في الخليج وتودّ التغريد؟ لحظة! فكّر قبل أن تنشر تغريدتك، فقد ينتهي بك الأمر في السجن” بهذه العبارات عبرت منظمة العفو الدولية عن واقع حرية الرأي والتعبير في دول مجلس التعاون الخليجي التي يحتل معظمها مراتب متأخرة في مقياس التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2020 (السعودية 170 – البحرين  169 – الامارات131 – عمان 135 – قطر 129 – الكويت 109).

مع الطفرة الإلكترونية ، بين عامي 2011 و2012، برزت وسائل التواصل الاجتماعي كمؤثر ومحرك فعّال للاحتجاجات في بعض البلدان العربية وكمنصات للتعبير عن الآراء والنقد والمطالبة بالتغيير. دول الخليج لم تمكن استثناءً، اتسع هامش حرية الرأي والتعبير بشكل ملحوظ، ولم يكن في مقدور الحكومات الخليجية السيطرة على على هذا المتغيرات المتتالية والمتسارعة، ما خلق في بادئ الأمر حالة من التخبط في كيفية تعاطي دول الخليج مع هذا الواقع الجديد. بدءًا من العام 2014 بدأت دول الخليج تطبيق حزمة القوانين والاجراءات تجاه الصحافيين والنشطاء الذين كانت لهم مواقف وآراء ناقدة لدولهم وسياساتها.

 

برمجيات التجسس وملاحقة النشطاء

وإلى جانب الإجراءات والقوانين المقيدة للحريات على الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لجأت دول الخليج الى الاستعانة ببرامج وبرمجيات التجسس والتنصت كوسيلة لمراقبة المواطنين والصحافيين والنشطاء. وبحسب تقرير مؤشر المشاركة السياسية  في دول الخليج (2020) الصادر عن البيت الخليجي للدراسات والنشر يخضــع الصحفيــون والنشــطاء في السعودية إلى مراقبــة مشــددة وتتجسس الحكومة عليهم في داخـل البلاد وخارجهـا، ومثل اغتيــال الصحـافي السـعودي جمـال خاشـقجي في إسـطنبول دلالـة حيــة لواقــع حريــة الــرأي والتعبيــر والقســوة الــي تلجــأ لهــا الســلطات هناك. 

أظهرت تحقيقات وزارة العدل الامريكية تورط السعودية وأشخاص من العائلة الحاكمة في التجسس على أكثر من 6 الاف حساب على موقع تويتر منذ 2015، وشملت لائحة الاتهام التي قدمتها الوزارة إلى المحكمة أسماء السعوديين علي الزبارة وأحمد المطيري الذي كان  يعمل  مساعداً لمدير مكتب ولي العهد السعودي. وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” شراء الحكومة السعودية برامج تجسس على الإنترنت من قبل مسؤولين يعملون مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود.

وفي تصريح لخبيرة منطقة الخليج لدى منظمة “هيومان رايتس ووتش” هبة زيادين، تؤكد هبة أن “سكان الإمارات العربية المتحدة يُعتبرون من أكثر السكان الخاضعين للمراقبة في العالمـ وهذا جزئيًا بفضل اقتناء التكنولوجيا الإسرائيلية وبرمجيات التجسس، بعض الدول الخليجية  تصنف أي تصريح يعتبرونه في أدنى حد انتقاديًا أو سلبيًا كعمل إجرامي”.

وتوصّل معهد Citizen Lab بجامعة تورونتو الكندية الى اكتشاف حملة من هجمات برامج التجسس “بيغاسوس” من قبل مشغلين  متطوّرين، الأول أطلق عليه اسم “الملكية” كان قد استهدف أفراداً داخل السعودية، بالإضافة إلى ناشط سعودي واحد على الأقل في الخارج. المشغل الآخر أطلق عليه اسم “Sneaky Kestrel”وهو المشغل الذي ركز على أهداف داخل الإمارات ضد صحفيين وناشطين وحقوقيين. 

وأفاد المعهد في بيان له، أن الناشط الاماراتي المعتقل احمد منصور تلقى رسائل نصية مشبوهة على هاتفه الأيفون تعده بمعلومات عن محتجزين تعرضوا للتعذيب في سجون الإمارات وتدعوه للنقر على رابط في الرسالة. واكتُشف لاحقًا أن الضغط على الرابط يؤدي إلى تنصيب برامج تجسس تسمح لمشغل خارجي بالسيطرة على هاتف وكاميرا الآيفون، ومراقبة تطبيقات الدردشة التي يستخدمها، وتتبع تحركاته ومدة المكالمات التي يجريها، والجهات التي يتصل بها، والبرامج التي يشاهدها، والبيانات التي يبحث عنها.

وبحسب تحريات صحيفة نيويورك تايمز فإن شركة NSO الاسرائيلية التي تعاونت معها الإمارات دعمت أيضًا الحكومة السعودية لمراقبة الصحفي المغتال جمال خاشقجي والناشط السعودي المقيم في كندا عمر عبد العزيز.

الكويت ورغم اعتبارها أكثر دول الخليج تقدمًا فيما يتعلق ومستوى الحريات الصحافية المتاحة في البلاد، لم يسلم مواطنوها من سياسات التجسس والتنصت. مؤخرًا، سرب حساب على توتير  يحمل عنوان “جنوب السرة” تسجيلات مصورة عن قيام ضباط في جهاز أمن الدولة في وزارة الداخلية الكويتية، بالتجسس على حسابات مواطنين وأعضاء بمجلس الأمة وشخصيات عامة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكانت منظمة بحرين ووتش، قد أكدت أن “تحقيقاً جديداً مشتركاً من قبلها و«ذا إنترسبت»، كشف أن السلطات البحرينية استخدمت منتجاً اسرائيلياً اشترته من شركة «سيلبريت»، لاستخراج معلومات خاصة من هواتف النشطاء النقالة، والتي استخدمت لاحقاً ضدهم في المحكمة، كدليل إدانة” (مرآة البحرين – ديسبمر 2016). كما تؤكد منظمات حقوقية بحرينية حتى اليوم استمرار الحكومة البحرينية في محاولات اختراق أجهزة الهاتف الخاصة بالمعارضين والنشطاء والصحافيين المقيميين في الخارج.

 

قوانين الضغط والتحجيم

تعتمد غالبية دول الخليج تشريعات وقوانين تتيح للسلطات الأمنية والقضائية ملاحقة أي فرد بحجة القدح أو الشـتم أو خـدش الحيـاء العـام أو إثـارة الـرأي العـام أو الاخلال بالنظــام أو مخالفــة الآداب العامــة.

في البحرين، تضيّق السلطات على مواطنيها بالملاحقــة القانونيــة والتشــهير والفصــل التعســفي وســحب الجنســية وغيرهــا مــن الاجـراءات بغطـاء قانـون حمايـة المجتمـع من الارهـاب أو قانـون تنظيـم الطباعـة والنشـر. كما وتلاحــق إدارة مكافحــة الجرائــم الالكترونيــة النشطاء في مواقــع التواصــل الاجتمــاعي وتعرضهــم للمســاءلة القانونيــة والترهيــب وتقــوم بحظــر وتعطيــل المواقــع أو اســتهداف أصحــاب الحســابات المؤثــرة. منهم على سبيل المثال الناشط الحقوقي نبيل رجب الذي حكم بالسجن سنتين بتهمة “بث أخبار كاذبة” في تغريدات تنتقد الحرب التي تقودها السعودية في اليمن ومعاملة السجناء في البحرين.

تضع البحرين شروطًا تعجيزية لإنشــاء مؤسســة إعلاميــة في البحرين، كما تحتكر وزارة الإعلام الإعلامين المرئي والمسموع بشكل قاطع.

في الســعودية، تنعــدم وســائل الاعـلام الحــرة، ولا تســمح السـلطة بــأي انتقــاد داخـلـي لسياســاتها. وتُعد السعودية أكثر الدول احتجازاً للفاعلين الإعلاميين في العالم، حيث يقبع في سجونها حالياً ما لا يقل عن34 صحفياً بسبب عملهم، بحسب منظمة مراسلون بلا حدود.

 في الإمارات، توفر منظومـة قانونيـة واسعة مُلاحقـة أي انتقـاد للدولـة أو الأسر الحاكمة، يشـمل ذلــك مــا هــو عــام كقانــون المطبوعــات والنشــر وقانــون العقوبــات ، ومــا هــو خــاص كقانــون مكافحــة جرائــم تقنيــة المعلومــات. وتوضــح هــذه القوانيــن الممارســات الــي توجــب الاعتقــال أو التوقيــف أو إلغــاء النشــاط .

تحجـب الإمارات المواقـع الـي تنشـر تحليلات أو دراسـات سياسـية قـد تصنــف عـلـى أنهــا مخالفــة لسياســات الدولــة. وتتمتع سـلطات إنفـاذ القوانيـن مـن الادعـاء العـام والشـرطة والاجهـزة الامنيـة بهامش واسع في تفسـير مـا يقـال أو يكتـب أو ينشـر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بأي وسيلة أخرى وقد تصل العقوبة إلى السجن 15 سنة، او دفع غرامة لا تقل عن 500 ألف درهم إماراتي (136129دولار) وهذا ما حدث مع الناشط احمد منصور الذي حُكم عليه في أيار 2018 بالسجن عشر سنوات ودفع غرامة مالية بمبلغ 225.000 يورو بسبب “نشر معلومات خاطئة تلحق الضرر بالدولة في الخارج”.

في سلطنة عمان وقطر توجه انتقادات واسعة لقوانين الطباعة والنشر وقوانين العقوبات الجنائية لتضمنها موادًا تتيح للسلطات الامنية والقضائية ملاحقة الصحافيين والنشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي. تعرض مواطنون عمانيون للاستجواب ولمحاكمات قضائية، منهم رئيس تحرية مجلة مواطن ومتعاونون مع الصحيفة.  

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى