تقارير

آلاء الصديق، الضحية مرتين

أنا في صفّ الجدار حتى يصير باباً، في صفّ الغصن الذابل حتى يصير أخضر، في صفّ الحلم حتى يصير حقيقة”، اقتبست الحقوقية الإماراتية آلاء الصديق هذه الكلمات ونشرتها على حسابها في تويتر قبل أيام من وفاتها،  لتختصر الحقيقة، أنا في نصرة المظلوم أينما كان وأيًا كان، ومعه إلى أن يتخلص من قيده ويحلق.

“مجزرة عفرين”، “أنقذوا حي الشيخ جراح” “عزاء النساء” ” الحرية لمعتلقي الرأي” غيض من فيض القضايا التي تبنتها آلاء وحاربت لأجلها في سنين حياتها القصيرة، لكن ذلك لم يمنع من حولها من تصنيفها في خانة الإسلام السياسي، وتأطير نضالها بالتضامن النابع عن عقيدة دينية، لكن آلاء كانت أكبر من ذلك، دون أن تتنكر لهويتها الإسلامية، ودون أن تتجاهل قضية على حساب أخرى، وقد سعت قبيل وفاتها إلى التأكيد على أنها ترفض نسبها إلى جهة معينة او أيديولوجية محددة.

لم تختصر آلاء تضامنها بقضية والدها المعتقل تعسفيًا في سجون الإمارات، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، واستمدت قوتها من صمود والدها طوال هذه السنوات، بحثت عن المظلومين في كل بقاع الأرض ورفعت صوتها مع صوتهم من منفاها الذي لجأت إليه مكرهة، بعد أن ضاقت بها أرض الوطن، فأزعج ذلك أعداء الحرية، وجعلهم في سعي مستمر لتشويه صورتها وإتهامها بما لا يشبهها، حتى بعد وفاتها، لكن ذلك لم يثنيها ولم يزعزع صورتها النقية في أعين من عرفوها جيدًا، ومن أمنوا بصدق نواياها.

بدأت رحلتها في النضال عام 2012 عندما أعتقل والدها بقضية عرفت إعلاميًا بقضية الإمارات 94، وفيها ألقت الإمارات القبض على 94 مواطنًا بتهمة تدبير انقلاب، فحملت قضيته واستخدمت مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل إعلام محلية وعالمية مطالبة بالإفراج عنه وكرست حياتها منذ ذلك الحين للدفاع عنه وعن كل معتقلي الرأي في الخليج.

بعد اعتقال والدها وسحب الجنسية منه ومن عائلته، غادرت آلاء رفقة زوجها المعارض الإماراتي عبد الرحمن باجبير، أوّلاً إلى قطر، حيث رفض أمير البلاد تميم بن حمد آل ثاني، مرّتين، طلب مبعوثين أرسلهم ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لتسليمها؛ الأولى في 2015 والثانية في 2018، معللًا ذلك بأن التسليم يخالف القانون الدولي، والدستور القطري، لكون الصديق غير مطلوبة بجرم جنائي.

توجهت آلاء بعد مدة من قطر إلى لندن وحصلت على اللجوء السياسي في بريطانيا، لتلتحق بالعمل في منظمة “قسط” التي أسسها عام 2014 الحقوقي السعودي يحيى عسيري، بهدف توثيق انتهاكات حقوق الإنسان ونشر تقارير عنها، لتشغل لاحقًا منصب المدير التنفيذي للمنظمة قبيل أشهر من وفاتها.

آلاء الصديقة، والإنسان

خلف ملامحها الصلبة، يقول من عرف آلاء أنها كانت غاية في الرقة، مرهفة المشاعر، ولربما تضامنها مع المظلومين كان نابعًا من شخصيتها اللينة التي تحب الناس وتكترث بصدقٍ لأوجاعهم. كان الحديث مع آلاء خفيفًا، يشعر من خلاله الطرف المقابل كأنه يعرفها منذ زمن طويل، كانت بعفويتها وذكائها تكسر الحواجز بينها و بين الآخرين.

وبعيدًا عن عالم السياسة والحقوق، كانت آلاء قارئة نهمة بمختلف المجالات، لا سيما الروايات التي كانت تتناول القضية الفلسطينية بماضيها وحاضرها، والمعروف عن الصديق أنها من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية ومن الرافضين بشدة للتطبيع مع إسرائيل، بناءً على وعي وإدراك لما جرى. تقول واحدة من صديقاتها المقربات أنها كانت من هواة الموسيقى والشعر، ولها محاولات مغمورة في كتابته، كانت تناقش مطولًا مع أصدقائها الأفلام التي تثير إعجابها، وتشاهد كرة القدم من حين إلى آخر كما أنها كانت تحب طهو الطعام في المنزل عوضًا عن الوجبات السريعة.

ربما هي صفات عادية، لكن آلاء لم تكن فتاة عادية، كانت أنثى تحب الحياة وتجيد الإستمتاع بها، ومقاتلة شرسة في وجه الظلم ومصدر إلهام لكثيرين ممن أدركوا أن الزمن لا يغير الحقيقة، ما دام هناك قمع فعلينا أن لا نتوقف عن رفضه حتى ينتهي أو تنتهي قصتنا في هذه الحياة. إن رحيل آلاء، والحزن الذي خيم على قلوب كثيرين ممن عرفوها أو لم يعرفوها، كان خير مثال على أن الإنسان قضية، وأن ما نزرعه نحصده ولو بعد حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى