تقارير

الإمارات: واحة السلام المزعومة وعين الحكومة التي تلاحق الناس بالأذى

يعاني الإعلاميون والمؤثرون في الإمارات من مراقبة إلكترونية مكثفة واستهداف ممنهج من السلطات الحكومية عبر سلسلة قرارات هدفها تضييق الخناق على أي أصوات مُعارضة، ما جعل مستوى حرية الإعلام والرأي في الإمارات ينخفض تدريجيًا بشكل ملحوظ، فحلت في المركز 131 من أصل 180 دولة في العالم في التصنيف العالمي لحرية الصحافة عام 2020 بحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، وجمعت 31 نقطة من 150 في مقياس حرية الرأي والتعبير في مؤشر المشاركة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي الصادر عن “البيت الخليجي للدراسات والنشر” لعام 2020.

 

انتهاكات بأوجه متعددة

يجد النشطاء الإماراتيون أنفسهم عرضة للإستهداف والملاحقة بمجرد الإدلاء بما يعارض وجهة نظر الحكومة أو ما يمثل إنتقادًا لها، ويعتبر المدون والناشط في حقوق الإنسان أحمد منصور أبرز ضحايا هذه السياسات القاهرة لحرية الرأي والتعبير في البلاد، اعتقل منصور في مارس 2017، ثم حُكم عليه بالسجن 10 سنوات ودفع غرامة قدرها مليون درهم (270 ألف دولار أمريكي)، وذلك بتهمة “تشويه سمعة الدولة على وسائل التواصل الاجتماعي” لدفاعه عن معتقلين اسلاميين في السجون الإماراتية وإثارته لملف حقوق الإنسان في البلاد. وتؤكد عائلة منصور إنقطاع الإتصال معه لستة أشهر بعد اعتقاله، وحرمانه من الرعاية الصحية وتعرضه للتعذيب والإهانات، ما يمثل إنتهاكًا صريحًا للمعايير الدولية الأساسية لحقوق الإنسان.

منصور كان هدفًا للسلطات التي راقبته وحاولت إختراق هاتفه عبر رسالة تحتوي رابطًا مموهًا بعنوان “أسرار جديدة لعمليات تعذيب في السجون الإماراتية”، لكنه إستدرك الأمر بالإستعانة بخبير أكد له أن الرابط عبارة عن برنامج خبيث طورته شركة إسرائيلية، وتقوم ببيعه للحكومات.

في مارس 2017، حُكم على الأكاديمي ناصر غيث بالسجن مدّة عشر سنوات بسبب تغريدات انتقد فيها انتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان ووجدت فيها السلطات الإماراتية تعكيرًا لصفو العلاقات مع الدولة المصرية عبر الانترنت.

بالإضافة للأحكام التعسفية، تعمد الإمارات إلى إبقاء المعتقلين في السجون لمدة أطول من العقوبة المقررة دون إعادة محاكمة، كالمعتقل أسامة النجار الذي أطلق سراحه في اغسطس 2019 رغم انتهاء محكوميته عام 2017، لكن المدعي العام قرر تمديد العقوبة إلى أجل غير مسمى بعد أن اعتبرت الحكومة أن خروجه يمثل “تهديدًا للأمن القومي” كما هو الحال مع العديد من المعتقلين الذين يقبعون حتى اليوم في السجون الإماراتية.

اتهم النجار بالتحريض على الكراهية ضد الدولة عبر تويتر ونشر الأكاذيب عن تعذيب والده حسين النجار، المعتقل بسبب أنشطته في مجال حقوق الإنسان.

وفي سبيل سعيها لإسكات كل الأصوات المعارضة، قامت السلطات الإماراتية بحجب مواقع عربية ودولية ومواقع لمنظمات مجتمع مدني ومواقع اعلامية ومنها قناة الجزيرة.

القوانين التعسفية لضبط الإعلام

“إثارة الفتنة” والتأثير على “السلم الاجتماعي”، عناوين عريضة وفضفاضة تستخدمها السلطات الإماراتية من أجل سن وتشريع قوانين قمع حرية الرأي والتعبير، وتبرير ملاحقة أي شخص يحاول الإدلاء بما يعارض الموقف الرسمي الإماراتي. هذا وتنص المادة 288 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الإماراتي بالسجن بين 3 و15 عامًا لمن ينشر أي شيء على الإنترنت من شأنه تعريض أمن الدولة ومصالحها العليا للخطر أو المساس بالنظام العام.

تلزم الإمارات جميع المؤسسات الإعلامية المحلية العاملة فيها بعدم التعرض لشخص رئيس الدولة أو حكام الإمارات بالنقد، واحترام السياسات التي تتبعها الدولة على المستوى الداخلي والخارجي، وبعدم الإساءة للنظام الاقتصادي في الدولة، كما يمنع الطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة، وتتعرض المؤسسات المخالفة للملاحقة القانونية وتواجه غرامات مرتفعة قد تؤدي إلى إفلاس بعضها.

إتساع رقعة المواضيع المحظور تناولها في الإعلام يجعله محدود الأفق ويصب فقط في مصلحة الدولة وسياساتها، ويخرجه عن إطاره الطبيعي كوسيلة لنقل الواقع بشكل شفاف وموضوعي.

 

برامج إسرائيلية ومبالغ طائلة للتجسس على الصحافيين

تعُرف الإمارات كواحدة من أكبر الإمبراطوريات في عالم التجسس الإلكتروني، يولي ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد الجانب الأمني والاستخباراتي أهمية واسعة، واستقدم في سبيل ذلك مئات الضباط الغربيين، وقدم لهم رواتب مرتفعة مقابل العمل على تأسيس جهاز استخباراتي وتدريب ضباط إماراتيين.

وذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في تقرير لها أن الإمارات استخدمت برنامج تجسس إسرائيلي نادر للتجسس على مواطنيها من المعارضين السياسيين والحقوقيين، كما نشرت آلاف كاميرات المراقبة الأمنية في شوارع دبي وأبوظبي، ما يعني أن الجميع عاجزون عن التحدث بحرية حتى في الجلسات والنقاشات الخاصة، وقد يتعرض أي مواطن للملاحقة القانونية بسبب رسالة كتبها أو مقال تصفحه.

لم تكتفي الإمارات بمراقبة مواطنيها، بل عمدت إلى التجسس على حكومات وناشطين من دول أخرى، كأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي وغيرهم، وعرضت الجزيرة حلقة بعنوان “شركاء التجسس” أكدت فيها أن الإمارات استخدمت البرنامج الإسرائيلي “بيغاسوس” لقرصنة 36 هاتفاً لصحافيين جلّهم يعملون في “الجزيرة” ومع جهات إعلامية معارضة للنظام الإماراتي.

لا يمكن وضع هذه الإجراءات ضمن إطار الحفاظ على الأمن العام أو الدفاع عن النفس، لأنها تمثل تعديًا صريحًا على خصوصية الأفراد وحقهم الطبيعي في التعبير السلمي عن آرائهم، لا سيما وأن جميع المستهدفين بهذه الإجراءات لم يقوموا بأي عمل عنفي أو يشكل خطرًا حقيقيًا على أمن الدولة. 

 

الأولويات المُرجوة

سعت الإمارات خلال السنوات الأخيرة لتقديم نفسها كـ “واحة الحريات الإعلامية” ضمن حملة دعائية واسعة، لكنها فشلت في إقناع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بسبب قوانينها الصارمة وأجهزتها الإستخباراتية المتسعة النفوذ والسلطة، ولكي تستطيع إسترجاع مصداقيتها عليها القيام بخطوات جدية تحسن من مستوى الحريات فيها. في مقدمة لك، اطلاق سراح معتقلي الرأي لا سيما أولئك الذين أنقضت محكومياتهم، بالإضافة إلى تخفيف العقوبات على مخالفي القوانين الخاصة بالإعلام والنشر، وإعادة تصويب هذه القوانين بشكل منطقي وعادل، وإتاحة الفرصة أمام عامة المواطنين الإماراتيين والمقيميين للإنتقاد الموضوعي والبناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى