الإماراتالبحرينالسعوديةتقارير

مشروع بيغاسوس في الخليج: الخوض بالمحظور لاصطياد المعارضين.

في الخليج، لا يوجد ما يخفى على الحكومات، منشوراتك على وسائل التواصل الإجتماعية، تعليقاتك المبهمة، رسائلك النصية، محادثاتك الخاصة مع اصدقائك وزملائك، صورك العائلية، ما تقرأه وما تبحث عنه. في الخليج، حياتك الشخصية مفتوحة كصحيفة، عبر برنامج “بيغاسوس” الذي باتت تستعمله الأجهزة الأمنية من أجل مراقبة وتتبع المعارضين والحقوقين والصحافيين.

يختلف “بيغاسوس” اسرائيلي الصنع، عن برامج التجسس التقليدية، فهو يستخدم ثغرات غير مكتشفة ولم يتم اصدار تحديث أمني لها في أنظمة التشغيل او التطبيقات، وباستغلال هذه الثغرات يتمكن البرنامج من زرع نفسه في داخل الجهاز ومن ثم يكون الجهاز كاملا تحت سيطرة الجهة المخترقة، مثلا، الإتصال بالشخص عبر واتساب يكفي لنزول بيغاسوس على هاتفه، حتى لو لم يقم بالرد على الاتصال. ويمكن من خلاله الاستماع إلى ملفات الصوت المشفرة وقراءة الرسائلة المشفرة عبر تسجيل نقرات المفاتيح وتسجيل الصوت. ويمكن للبرنامج القيام بكل ما يمكن للمستخدم بفعله، كتشغيل الكاميرا والميكرفون، وإضافة وإزالة ملفات ومعالجة البيانات.

قائمة ضحايا التجسس

كشفت صحيفة واشنطن بوست تفاصيل قائمة تضم أكثر من 50 ألف رقم هاتف كانت أهدافًا محتملة لبرنامج “بيغاسوس”. وتضمنت القائمة أرقام هواتف ما لا يقل عن 180 صحافيًا و600 سياسي وسياسية و85 ناشطًا حقوقيًا، إضافة إلى 65 رئيس شركة من دول مختلفة، يشير التحقيق أيضا إلى أن نسبة كبيرة من الأرقام كانت لدول موجودة في الشرق الأوسط منها السعودية، قطر، البحرين واليمن والمغرب.

خليجيًا، سجلت التحقيقات أنه تم اختراق الهاتف النقال لخطيبة جمال خاشقجي التركية خديجة جنكيز بعد أربعة أيام فقط من مقتله في قنصلية بلاده في السعودية، بالإضافة إلى معارضين سعوديين في الداخل والخارج. كما أكد رئيس وزراء قطر الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، معرفته بأن هاتفه كان مراقبًا منذ سنوات.

نشر موقع ميدل إيست خبر اختراق هاتف رئيس مجلس نواب الشعب التونسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من قبل شركة إسرائيلية بتكليف من جهات سعودية، ودعت النهضة في بيان لها السلطات الرسمية التونسية، وعلى رأسها الرئاسة ووزارة الخارجية، إلى “التحقيق في الموضوع واتخاذ الموقف الرسمي المطلوب ضد هذا الاعتداء الخارجي”.

ويُعتقد أن حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، ممن استخدموا برنامج “بيغاسوس” بعد أن وردت على القائمة هواتف ابنته الشيخة لطيفة التي حاولت الهروب من دبي عام 2018، وكذلك اسم زوجته السابقة الأميرة هيا الحسين التي هربت من البلد عام 2019. كما وردت أسماء عدة نساء على علاقة مع المرأتين.

لائحة المتهمين

تعد السعودية والبحرين والإمارات من ضمن المستفيدين من تقنيات مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية التي تملك عشرات العملاء، طبقا لما نقلته صحيفة “واشنطن بوست”. اللافت أن السعودية لم تكتفي بالتجسس على معارضيها فقط بل ذهبت بعيدًا بالتجسس على حلفائها في الخارج، حيث أظهر التقرير أن رقم رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري كان ضمن لائحة الأرقام التي تعرضت للإختراق والمراقبة، وكانت صحيفة “الغارديان” نشرت تقريرًا شرحت فيه قيام مسؤولين سعوديين بشراء نظام التجسس “بيغاسوس” في صفقة تبلغ قيمتها 55 مليون دولارعلى الأقل، بعد اجتماعات سرية مع شركة NSO عام 2017، رغم غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الطرفين.

في 24 اغسطس 2021 نشرت منظمة الخط الأحمر للخليج بالتعاون مع مؤسسة سيتزن لاب تحقيقًا يؤكد أن حكومة البحرين اشترت واستخدمت برنامج بيغاسوس “الإسرائيلي” منذ عام 2017، للتجسس على نشطاء ومعارضين سياسيين داخل البحرين وخارجها، وتم اكتشاف 9 حالات اختراق مؤكدة من ضمنها الناشط موسى عبد علي والمدوّن يوسف الجمري المقيمين في لندن، وثلاثة أعضاء من مركز البحرين لحقوق الإنسان، إما عبر الحكومة البحرينية مباشرة او عبر جهات أخرى يعتقد انها حليفة لحكومة البحرين.

بالإضافة لإبنة حاكم دبي وطليقته الأميرة هيا، برز اسم الناشطة الحقوقية الراحلة آلاء الصديق من ضمن القائمة المسربة للأرقام التي حددتها الحكومات المتعاملة مع برامج شركة NSO هدفاً للمراقبة أو “الاختراق” بين عامي 2017 و2019، بحسب صحيفة “الغارديان” التي قالت أن الإمارات هي واحدة من 40 دولة امتلكت الوصول إلى برامج التجسس التي أنتجتها شركة NSO لاختراق الهواتف المحمولة والسيطرة عليها سراً.

للإمارات سابقة مع استخدام بيغاسوس حيث قامت بمحاولة إختراق هاتف الناشط الحقوقي أحمد منصور عام 2016 عبر رسالة نصية تحتوي رابط مزيف بعنوان ” اسرار جديدة حول امارتيين في سجون الدولة”، قبل أن تقدم على اعتقاله عام 2017.

التنصل لم يعد مقنعًا

نفت كل من الدول الثلاثة ضلوعها بعمليات التجسس المتهمة بها، واعتبرت ان التحقيق لا يستند إلى أدلة بل هو مبني على مغالطات، وأنها دول تحترم خصوصية الفرد وحريته في التعبير عن رأيه، رغم كل المؤشرات التي تدل أن هذ الدول تعمل بجد على الغاء معارضيها واسكاتهم، وتعاقبهم بكل الطرق المتاحة على مجرد التعبير عن ارائهم التي لا تتوافق مع سياسة حكوماتها.

اصبح من المسلمات أن حرية الرأي والتعبير في الخليج في تدهور مستمر، ما لم تتراجع الحكومات عن قراراتها واحكامها التعسفية، وقضية بيغاسوس أظهرت أن لا نية لدى هذه الحكومات بتحقيق وعودها بالتغيير وادعاءاتها بأنها تتجه نحو رفع سقف الحريات وتقبل جميع الآراء حتى الآن، الا اذا كان حجم الفضيحة وردود الأفعال الساخطة دوليًا عليها حافزًا للتغيير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى