تقارير

حرية الرأي في السعودية: ظلام دامس ورؤية معدومة

تفرضُ السياسات الحكومية العنيفة والرقابة الشاملة على حرية الرأي والتعبير في السعودية واقعًا معاديًا للصحافيين والنشطاء السياسيين والحقوقيين، ورغم الإصلاحات التي شهدتها البلاد منذ فترة فيما يتعلق ومستوى الحريات الفردية وحقوق المرأة إلا أن السعودية لا تزال تتبوأ مرتبة متأخرة في مقياس التّصنيف العالمي لحرّية الصّحافة الصّادر عن منظمة مراسلون بلا حدود بترتيب 170 من أصل 180، وكذلك هو الحال في مقياس حرية الرأي والتعبير لمؤشر المشاركة السياسية في دول الخليج الصادر عن “البيت الخليجي للدراسات والنشر” بمجموع 14 نقطة من أصل 150 في عام 2020.

تداعيات مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية، لم تفلح، حتى اليوم، في حث الرياض على أن تكون أكثر جدية في تحسين واقع الحريات السياسية والصحافية المثقل بالانتهاكات والتجاوزات. 

المظاهر البرّاقة التي تحيط بصورة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود؛ كالسماح للنساء بقيادة السيارات وتعزيز الحريات الفردية للمواطنين السعوديين؛ يقبع من وراءها سلوكٌ ممنهج تتبعه السلطات السعودية مع جميع المواطنين والمقيميين، ملخصه إرسال كل من يجرؤ على انتقاد الدولة وسياساتها إلى السجن.

 

قوانين فضفاضة وحُريات مُنتهكة

بحسب مؤشر المشاركة السياسية في دول الخليج العربية، تنعــدم وســائل الإعـلام الحــرة في السعودية، ولا تســمح الحكومة بــأي انتقــاد داخـلـي لسياســاتها الخارجيــة، ســواءً مـا يتعلـق بالحـرب عـى اليمـن أو الأزمـة الخليجيـة أو معارضـة التطبيع مــع إســرائيل، كما يُعطي القانــون حصانــة لمؤسســة الحكــم ورجــال الديــن المســؤولين مــن أي انتقــاد. 

وتُعد السعودية أكثر الدول احتجازاً للفاعلين الإعلاميين في العالم، حيث يقبع في سجونها حالياً ما لا يقل عن 34 صحفياً/ ناشطًا إلكترونيًا بحسب احصاءات منظمة مراسلون بلا حدود.

يعتمد النظام القانوني في السعودية على العديد من المواد “الفضفاضة” التي يمكن تفسيرها على نحو تعسفيّ وانتقائيّ، وهو ما يقلّص من مساحة حرية الرأي والتعبير، وتلجأ الحكومة السعودية إلى القضاء ونصوص قوانين متعسفة لمعاقبة الصحفيين والمواطنين تحت عناوين عامة، من أهمها “المساس بالنظام والقيم الدينية ورموز الدولة”.

تحظر القوانين السعودية نشر كل ما يخالف الشريعة الإسلامية  وكل ما يُخالف الأنظمة النافذة في الدولة وكل ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية والتعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة. هذا ما يمكّن الحكومة من استهداف الصحفيين والنشطاء وكل من يعبّر عن رأيه في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة دون وجود أي حماية قانونية لتقديرات السلطات التنفيذية، الأكثر من ذلك، يعيب على المؤسسات القضائية في البلاد ارتهانها لتقديرات القضاة المعينيين من قبل الدولة في ظل شح للقوانين المنظمة التي تضمن للموقوفين اجراءات قضائية عادلة ونزيهة .

كما ويعاقب نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي في مادته السّادسة بالسجن والغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص يعدّ أو يرسل أو يخزّن انتاجًا من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة. أما نظام جرائم الإرهاب وتمويله، فتعتمده السعودية في تجريم النشطاء الحقوقيين والصحفيين بشكل واسع.  

 

أبرز ضحايا قمع حرية التعبير

بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان (الثمن الفادح للتغيير) في نوفمبر 2019، ومع اكمال الديوان الملكي سيطرته على حميع الأجهزة الأمنية في سبتمبر 2017، شنت السلطات سلسلة من الاعتقالات استهدفت فيها عشرات المنتقدين للسياسات الحكومية وطالت عددًا من الصحافيين، من بينهم عبد الله المالكي الذي انتقد عبر تويتر ما أسماه “حكم الفرد”، والصحفي جميل فارسي الذي كان ينتقد السياسات الاقتصادية. 

وفي أبريل 2018 اعتقل الصحفي تركي الدوسري بعد جدل على توتير جرى بينه وبين المقرب من الأمير محمد بن سلمان، تركي آل الشيخ المستشار بالديوان الملكي. وفي فبراير 2018 أوقف الكاتب السعودي محمد السّحيمي بعد تصريحات تليفزيونية. وحكمت المحكمة الجزائية المختصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة، بالسجن 5 سنوات ومنع من السفر، على الصحفي صالح الشيحي جراء انتقاده الفساد في الديوان الملكي.

أيضًا حُكم على الصحافي علاء برنجي بالسجن سبع سنوات على خلفية تغريدات تُعارض الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة. ويقضي المصور جاسم مكي آل صفر العقوبة نفسها بتهم رفعه صورا في المظاهرات والالتقاء بصحفيين أجانب. 

أما النشطاء الحقوقيون فكان لهم نصيبهم من الاعتقالات ايضا ففي 15 مايو 2018، تم اعتقال كل من لجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف بسبب دفاعهن عن حقوق المرأة في السّعودية. وحكم على المحامي  وليد أبو الخير، وهو صهر المدون السعودي المسجون رائف بدوي، بالسجن 15 عاما عام 2014، لإدانته بتهم “العصيان والخروج عن طاعة ولي الأمر وازدراء السلطات وإهانة أحد القضاة”.

 

الاصلاح الحقيقي يحتاج لأفعال جدّية

 رغم الإصلاحات التي يروّج لها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، لم تستطع السعودية صرف الانتباه عما يحدث فيها من انتهاكات لحقوق الإنسان ولحرية الرأي والتعبير، أو عن إخفاء الاعتقالات بحق المعارضين والنشطاء والصحافيين. سياسات المملكة وممارساتها هي محل انتقاد وتنديد دولي وحقوقي رغم كل ما تحاول الترويج له مؤخّرا. 

إذا ما أرادت السعودية المضي في خطوات الإصلاح، عليها البدء أولًا بمعالجة القوانين واسعة التفسير، واطلاق سراح الصحافيين والكتاب والمدونين المعتقلين تعسفيًا بتهم تستند فقط إلى أفكارهم وآرائهم السلمية، مع إسقاط كافة الاتهامات غير المستندة إلى جرائم معروفة، والمنسوبة إلى معارضين قيد المحاكمة، وضمان حصولهم على محاكمات عادلة وشفافة. 

ولئن كان بالإمكان تصنيف الافراج مؤخرًا عن الحقوقية لجين الهذول كبادرة جيدة رغم تأخرها. إلا أنه من الضروري محاسبة مرتكبي الانتهاكات الصارخة مثل التعذيب وتشويه السمعة، بالتوازي مع اصلاح النظام القضائي والقانوني عبر تشريع قوانين أكثر دقة ووصوحًا وأقل صرامة فيما يتعلق بالتعبير على الرأي والحق في انتقاد السلطات الحكومية وسياسات الدولة. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى