تقارير

في الخليج : أزمة متجذرة وقوانين لا تنصف الضحايا

تعرّف الأمم المتحدة “خطاب الكراهية” على أنه أيّ نوع من التواصل الذي ينطوي على تهجّم أو يستخدم لغة سلبيّة أو تمييزيّة عند الإشارة إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص على أساس هويّتهم، وضمن جهود المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية في البحث عن حلول جذرية لهذه الخطابات وما يترتب عليها من أزمات جاءت مبادئ كامدن وخطة عمل الرباط ضمن جملة من المشاريع التي نفذت في هذا الإطار.

تصنف مبادئ كامدن حرية التعبير والمساواة حقوقًا جوهرية تُكمل بعضها البعض، وأن لهذه الحقوق دورًا حيويًا في حماية كرامة الإنسان وضمان الديمقراطية وتعزيز السلم والأمن الدوليين.

استخلصت Article 19 مبادئ كامدن استناداً إلى مناقشات في الأمم المتحدة اجراها خبراء من المجتمع المدني ومتخصصين في قانون حقوق الإنسان الدولي حول مواضيع حرية التعبير والمساواة خلال اجتماعات عقدت في لندن عامي 2008\2009. تبع ذلك اعتماد خطة عمل الرباط التي تشكلت بنفس المنهجية وهي نتاج أربع حلقات عقدها خبراء إقليميون، نظمتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان عام 2011 واعتمدها الخبراء في مدينة الرباط المغرب عام 2012.

تسعى خطة عمل الرباط لبناء التوازن بين حرية التعبير من جهة والحاجة إلى حماية الأفراد والفئات من التمييز والعنف والاستهداف من جهة أخرى، وتعمل الخطة على تحفيز الحكومات على مكافحة خطاب الكراهية من خلال الالتزام بخطاب وطني جامع وإيجابي.

التحريض الطائفي في الخطاب الرسمي الخليجي

لا تقوم الحكومات الخليجية باجراءات حقيقة للحد من خطابات الكراهية والدعوات الطائفية في بلدانها. بل ويظهر، في بعض الآحايين، أن هناك توجه حكوميًا لتعزيز هذا الخطاب في بعض الدول. تسمح السعودية لعلماء ورجال الدين الذين تعينهم الحكومة بالإشارة إلى الأقليات الدينية بألفاظ مسيئة أو تشويه صورتها في الوثائق الرسمية والأحكام الدينية التي تؤثر على صنع القرار الحكومي، بحسب تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش. ونقلت الجمعية عن عضو في هيئة كبار العلماء السعودية، وهي أعلى هيئة دينية في البلاد، خلال جلسة علنية عام 2017، رده على سؤال حول المسلمين الشيعة بالقول “هم ليسوا إخواننا… هم إخوان الشيطان.”

تعتمد البحرين النهج الإقصائي نفسه تجاه المواطنين من الشيعة  لا سيما بعد الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2011، وواجهتها الحكومة البحرينية باعتقال واحتجاز القادة السياسيين وتعريض الآلاف من المواطنين الشيعة للتعذيب والفصل من الوظائف. المواطنون الشيعة خارج عملية صنع القرار وتمثيلهم محدود بين العاملين في قطاع الطوارئ الحكومية، بما في ذلك قوات الأمن والجيش.

البدون غير محددي الجنسية

صدّقت الكويت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1968 إلا أنها تحرم الآلاف من البدون _  الذين لم يحصلوا على الجنسية الكويتية بعد استقلال الكويت عام 1961_ من حق الحصول على الجنسية  والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، بل يقوم “الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية” بإصدار بطاقات أمنية دورية لهم، ولا تُعد هذه البطاقة هوية شخصية لحاملها. 

تعرض بعض البدون للاعتقال والتعذيب بعد احتجاجات اطلقوها عام 2010 للمطالبة بمنحهم الحقوق الإنسانية كاستخراج بيانات رسمية، وجوازات سفر للتنقل بحرية. يُتهم  البدون من جانب بعض الخطابات السياسية والشعبية “بعدم الولاء” للكويت، وتستخدم هذه الإتهامات كعذر لحرمانهم من من سلسلة من الحقوق الأساسية، بما في ذلك حقهم في الصحة، والتعليم، والعمل، ومنعهم من أن يكونوا جزءً أساسيًا ومساهمًا في المجتمع الكويتي.

كورونا فاقمت العنصرية ضد الأجانب

يعاني العمال والأجانب في غالبية دول الخليج من سياسات وخطابات عنصرية تصل حد المعاملة القاسية، يتم إلزام العمال بساعات عمل طويلة في ظروف قاسية ويطرد أي موظف يعترض على سوء المعاملة. في بعض البلدان، لا يستطيع العمال المهاجرين المغادرة دون موافقة أرباب العمل الذين يقومون بحجز جوازات سفرهم عند توظيفهم، ما يلزم بعضهم للبقاء رغم الظروف الشاقة للعمل.

هذه العنصرية دفعت أثيوبيا إلى حظر هجرة مواطنيها إلى السعودية عام 2016، لتعود وتلغي القرار عام 2019 بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة للبلاد. 

في العامين الماضيين، تسببت جائحة كورونا بتصاعد موجة العنصرية وخطابات الكراهية تجاه الأجانب في الخليج لا سيما الأفارقة والآسيويين، وارتفعت الأصوات المطالبة برتحيلهم من خلال حملات شرسة قادتها بعض وسائل الإعلام وأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي، حملتهم مسؤولية جلب الفايروس من البلدان التي قدموا منها وزيادة الحالات لعدم قدرتهم على الإلتزام بالتباعد الإجتماعي داخل مساكنهم المكتظة.

هذه المطالبات لم تكن محصورة بعامة الشعب بل كان لها صدى رسمي أيضًا، قررت السلطات السعودية ترحيل 200 ألف عاملًا أثيوبيًا من أراضيها، وطالب نائب بحريني بترحيل العمال الأجانب ممن توقفت أعمالهم خلال مراحل الاقفال في البلاد، ودعت نائبة كويتية إلى “تطهير” البلد من العمالة المخالفة عبر ترحيلهم دون تعويضات مالية، باعتبارهم “الأقل اهتماماً بالتعليمات الصادرة عن حكومة الكويت”، حسب تعبيرها.

جبهة افتراضية ضد الأقليات والأجانب

تشكل مواقع التواصل الإجتماعي بيئة خصبة لخطاب الكراهية، لا سيما حين تصدر مثل هذه الدعاوى من ناشطين ومؤثرين في الساحة الإفتراضية. هذه الفئة الضئيلة من المستخدمين على تويتر (المنصة الأكثر رواجًا بين الخليجيين) قادرة على التأثير في الفئة الأكبر من العامة، بالإضافة لسرعة انتشار المعلومات المضللة والصور المفبركة.

يستخدم رواد مواقع التواصل الإجتماعي الوسوم لنشر خطاب الكراهية بشكل ممنهج، فوسم #السعودية_للسعوديين اجتاح تويتر وكان الهدف منه طرد العمال الأجانب من البلد، ولا يزال متداولًا إلى اليوم، ووسم #طرد _المصريين_من_الكويت عام 2020 أتى في نفس السياق دون أي مراعاة لمشاعر العمال وذويهم. وبالإضافة إلى الحملات التي تستهدف الأجانب، هناك حملات تستهدف السعوديين الذين ينحدرون من أصول آسيوية أو إفريقية ويتركز وجودهم غرب البلاد، وكان وسم #هوية_الحجاز الطريقة التي عبر من خلالها أبناء القبائل الحجازية عن أنهم الممثل الوحيد للتراث الحجازي.

 خلال الأزمة الخليجية 2017-2020، رصدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (هيئة حكومية) مئات المنشورات المحرضة على القطريين والتي وصل بعضها إلى حد الدعوة لاستهداف قطر بعمليات تخريبية أثناء الأزمة الخليجية القطرية.

الملاحظ هو أن الأجهزة المسؤولة عن مراقبة وسائل التواصل الإجتماعي في دول الخليج لا تقوم بأي خطوات جادة للحد من انتشار خطابات الكراهية، وبإستثناء الإمارات، لم تقم أي دولة خليجية بإصدار قانون يجرم خطاب الكراهية، ما أخرج الأمور عن السيطرة واعطى مساحة أكبر لمنتهجي هذا الخطاب للتمادي في استهداف الأقليات.  رغم ذلك، تصدر عن الحسابات الإماراتية خطابات كراهية ذات صبغات سياسية وطائفية.

يمثل استمرار تجاهل خطابات الكراهية في الخليج عاملًا خطيرًا ومحفزًا لنمو هذه الخطابات وتحولها لدعوات وانتهاكات مباشرة لحقوق الإنسان. 

ينبغي على الحكومات الخليجية أن تؤسس لخطاب توعوي يواجه العنصرية والطائفية، ويرسخ مبادئ التساوي بين كافة افراد المجتمع على اختلاف توجهاتهم، بالإضافة إلى ضرورة سن قوانين صارمة بوجه كل تحريض يصدر عن أي جهة كانت، وتطوير المنظومة التعليمية بما يحث على التسامح ونبذ العنف والتمييز والكراهية، والقيام بتعديل القوانين المجحفة بحق العمال والأجانب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى